إيبولا.. خطر قادم

إن مرض فيروس “إيبولا” القاتل، والمسمى سابقاً بحمى “إيبولا” النزفية، هو مرض فيروسي خطير يصيب الإنسان، كما أنه يصيب بعض أنواع القردة، وهو مرض معدٍ يؤدي إلى معدلات وفيات عالية جداً تصل إلى تسعين بالمائة، أي أن تسعة من كل عشرة يصابون بالمرض يموتون.


وقد اكتشف هذا المرض لأول مرة عام 1976، حيث حدثت إحدى فاشياته في قرية تقع على مقربة من نهر “إيبولا” الذي اكتسب المرض اسمه منه، إلا أن الاهتمام به تزايد عام 1995 عندما أصيب بائع فحم من بلدة كيكويت في زائير بالمرض، وحمل بعد أيام إلى مستشفى كيكويت العام وساءت حالته، وبدأ الدم يتدفق من أنفه وأذنيه بشكل يتعذر ضبطه مما أدى لوفاته. وسرعان ما أصبح أفراد أسرته الذين لمسوا جسده مرضى، وخلال شهرين توفي اثنا عشر فرداً من أقاربه وأصدقائه، وبدأ المرض ينتشر بين الأطباء والممرضات الذين اعتنوا به، ومنه انتشر إلى بلدتين أخريين مما أدى لتجاوب المجتمع الدولي، فتدفقت فرق الباحثين من أميركا وأوروبا لضبط تفشي المرض ودراسة دورة حياته وانتقاله.


ولإيقاف الوباء قام العاملون في حقل الصحة بالبحث ميدانياً للعثور على أي شخص تبدو عليه أعراض المرض، فيحمل إلى المستشفى ويحجز ويحجر عليه صحياً، والذين يموتون كانوا يلفون بأغطية بلاستيكية كالحقائب مصممة من أجل إدخال الموتى فيها وعزلهم ويدفنون فوراً. فالفيروس فتاك جداً، مما جعل الباحثين في أتلانتا بأميركا يدرسونه في مختبر شديد الأمان، يمنع تسرب أي ميكروب ينتقل في الهواء، ويرتدي العلماء بدل فضاء واقية ويغتسلون بمطهرات قوية قبل المغادرة. أما الأطباء والمعالجون الذين وفدوا على كيكويت فكانوا يرتدون نظارات واقية وقبعات ترمى بعد استعمالها وملابس وقائية تغطي الجسم كله فلا يخترقها الفيروس.


وتنتقل العدوى للإنسان بملامسة دم المصاب بالمرض أو إفرازاته أو أعضاء جسمه أو ملامسة جثة المتوفى، بل وفي حالة الشفاء يستمر الفيروس في السائل المنوى للحامل للعدوى لمدة تصل إلى 7 أسابيع بعد مرحلة الشفاء السريري، بل وقد عزل الفيروس من السائل المنوي بعد اليوم الحادي والستين عقب الإصابة بالمرض.


وفترة الحضانة للفيروس (وهي الفترة الزمنية الممتدة من لحظة الإصابة بالعدوى إلى بداية ظهور أعراضه) تمتد من يومين إلى 21 يوماً، وينظر إلى الخفافيش على أنها المضيف الطبيعي لفيروس حمى إيبولا، وكذلك القردة والشامبانزي والنسناس والغوريلا.


وأعراض المرض تتراوح من التهاب المفاصل إلى ألم أسفل الظهر إلى ارتعاش وتعب وإرهاق شديد وحمى وصداع وإسهال وغثيان وتقيؤ وألم في الحلق. ومع تفاقم المرض تزداد الأعراض لتشمل نزيف العينين والأذنين والأنف والفم والشرج وتضخم العينين والمنطقة التناسلية وطفح على كامل الجسم، وتنتهي الأعراض إلى الغيبوبة ثم الموت في 50 – 90% من الحالات.


ويتم التشخيص عن طريق فحص الدم أو البول أو اللعاب من قبل المختبر المتخصص مع مجهر إلكتروني له القدرة على تصوير الجزيئات الدقيقة جداً، وتنطوي الاختبارات التي تجرى للعينات المأخوذة من المرضى على مخاطر بيولوجية جسيمة، لذلك يقصر إجراؤها على مناطق تؤمن ظروفاً قصوى للعزل البيولوجي.


ومن خطورة هذا الفيروس أنه في عام 1992 وُجهت تهم إلى أعضاء جماعة أوم شنريكيو اليابانية بالتخطيط لمحاولة استخدام “إيبولا” كسلاح إرهابي، حيث قام رئيس الجماعة أساهارا شوكو باصطحاب أربعين من أتباعه إلى زائير بحجة مساعدة الجمهور في محاربة المرض للحصول على عينات من الفيروس لاستخدامها كسلاح بيولوجي، علماً أن هذه الجماعة الإرهابية التخريبية اشتهرت بعد حادث تسميم مترو أنفاق طوكيو في اليابان عام 1995 بغاز أعصاب السارين والذي أودى بحياة 62 شخصاً وأدى لإصابة حوالى 5000 آخرين.


إنه للأسف الشديد لا يوجد حتى الآن أي علاج أو تطعيم للوقاية من “إيبولا، ويتطلب المصابون بالمرض رعاية دائمة مركزة، وعزلا صحيا كاملا، واستراتيجيات الوقاية هي أهم إجراءات التعامل مع الفيروس، وذلك بتفادي الذهاب للمناطق التي يوجد فيها الفيروس، والحذر في التعامل مع الحيوانات ومنتجاتها، وارتداء ملابس واقية أثناء التعامل مع المرضى المصابين، والحجر الصحي الكامل للمرضى، وتطهير حظائر الحيوانات ومتابعتها بدقة للكشف عن أي ظهور للفيروس قبل انتشاره.


وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية في بيان لها يوم الأربعاء 6 أغسطس 2014 أن حصيلة فيروس “إيبولا” ارتفعت إلى 932 حالة وفاة في أفريقيا، وأوضحت المنظمة التي مقرها جنيف، أن الحالة الطارئة على الصحة العامة ذات البعد العالمي معناها وجود حدث استثنائي كفيل بأن يشكل خطراً على الصحة العامة في دول أخرى مع انتشار المرض على المستوى العالمي ويتطلب رداً منسقاً على المستوى الدولي.
وفي نفس اليوم أعلنت وزارة الصحة السعودية وفاة شخص يشتبه بإصابته بفيروس إيبولا” بعد عودته من رحلة عمل من سيراليون، وأرسلت عينات من المريض لمختبرات في أميركا وألمانيا أوصت بها منظمة الصحة العالمية لتحليلها.


إن العالم اليوم على مشارف معركة جديدة مع فيروس يعد من أكثر الفيروسات التي اكتشفها الإنسان فتكاً. ولا بد لنا هنا من وقفة تأمل وتدبر وتفكر، فهذا العالم الذي نعيش فيه هو من صنعنا ومما كسبت أيدينا.. وهو الذي أصبحت سمته الغالبة الفتن والظلم والقهر والهرج والمرج واستباحة الدماء والأعراض والأراضي والأموال، وحين ننظر إلى كل هذه المظاهر لفساد الإنسان ألا يجعلنا نفكر في أن هذا الإنسان سيكون عرضة للابتلاء الواحد تلو الآخر؟ إن رحمة الله متعلقة بتقواه (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) والعذاب عندما ينزل قد يعم (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً).


إن الأرض التي نحيا عليها قد أحكم الله نظامها بميزان دقيق (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) والإنسان هو المستخلف عليها وتُرِك له الخيار وأُمِر ألا يطغى في الميزان، وما يظهر من فساد في البر والبحر فهو جزاء لما كسبت يداه (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). وعندما ظهر الفساد قديماً تدخلت المشيئة الربانية .. (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)، بل ومن العلامات الصغرى للقيامة كثرة الزلازل وكثرة الأمراض التي ما كان يعرفها الناس سابقاً. ومن يرى تزايد هذه الظواهر بمعزل عن رؤية أعمال الإنسان في الأرض وما كسبت أيدي الناس، فإنه يغفل عن رؤية أهم ما يجب أن يُرى ويُدرك ويُعتبر من هذه الظواهر والابتلاءات والآيات الربانية لبني الإنسان.

 

 

 

 

 لقراءة المقالة من صحيفة الوطن الرجاء الضغظ على الرابط أدناه :

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=17493