قبل أن يسدل الستار

كل إنسان على وجه هذه الأرض قصة.. ولكل قصة بداية ونهاية.. أما البداية فليس للإنسان فيها من خيار.. وأما ما يلي ذلك، فقد هداه الله فيها النجدين.. إما إلى جنة وإما إلى نار.
حياة كل واحد منا هي أهم قصة في حياته.. قصة هو يكتبها بتوفيق ربه.. يُسطرُ فيها بقلم عمله الحروف والكلمات والجمل والفصول والأجزاء.. مواقف تشهد بها عليه جوارحه وأعماله قبل أن يشهد عليه ما كُتب في الكتاب.
يعيش الإنسان قصة حياته ويسطر بأعماله ما لا تراه العين من نياته التي لا يراها إلا خالق الأكوان، بل نحن في هذه الدنيا أشبه ما نكون بذلك الذي يقف على المسرح ويؤدي دوره ثم يُسدل عليه الستار. الفرق هنا أن كل واحد منا لا يُمثل دوره فقط، بل هو الذي يكتب القصة ويؤلفها ويخرجها.. أما الفرق الآخر، فهو أنه لا يدري متى يُسدل عليه الستار.. أفي منتصف الليل أم في وجه النهار؟ وعلى أي حال سيكون عندما ينتهي دوره؟ وهل سيكتب من الأخيار أم من الأشرار؟


هناك من يفكر في آخر ساعة بحياته .. كيف ستكون؟ وبما ينبغي أن يناجي فيها ربه في هذه الساعة؟ هل سينظر بعين ذاكرته مستعيداً قصة حياته منذ نعومة أظفاره؟ تلك القصة التي كتبها والمسرحية التي أخرجها، ويقول: اللهم لك الحمد أن وفقتني لأعيش أهم وأجمل قصة في حياتي، أم والعياذ بالله سينظر إلى ما قدمت يداه ويقول: أي قصة خائبة تلك التي خطت يداي وعشت فيها وليتني ما عشتها.. بل وما حييت قط، بل ويا ليتني كنت تراباً؟
إننا إذا لم نتمثل آخر ساعة في حياتنا ونعرف بماذا نريد أن نناجي ربنا آنذاك.. وكيف نريد أن ننهي قصة حياتنا، فأنى لنا أن نكتب أحداث قصتنا لننهيها كما نحب؟ فإن المرء لن يعرف كيف يريد أن يعيش إلا إذا عرف كيف يريد أن يموت؟


ولكن من أجل أن تكتب قصة حياتك بنفسك كما تريد، لا بد لك أن تتحرر. نعم .. أن تحرر ذاتك من نفسك. لا بد أن تحرر نفسك من البرمجة الاجتماعية وإيقاعات المجتمع، حتى تستمع إلى الصوت الداخلي الذي بداخلك. الصوت الداخلي الذي بداخل كل واحد منا .. هذا الصوت الذي يدلك على المَلَكَة التي أودعها الله فيك.. إنها الهدية الربانية لكل واحد منا التي تقول له: إن فيك أنت نفخة الرحمن والكون كله في داخلك. هذا الصوت الذي يهديك إلى رسالة حياتك.. قضيتك على وجه هذه الأرض.. هذا الصوت الذي لا يكاد يُسمع، خاصة في المجتمعات التي تكون فيها إيقاعات المجتمع مرتفعة والوصاية عليه عالية.. هذا الصوت الذي يميز الإنسان عن الدب الذي يرقص في السيرك، لأنه مبرمج مسبقا على إيقاع النغمات.
فلنستمع إلى الصوت الداخلي لأنفسنا، ولنكتب قصة حياتنا كما نحب، لا كما تمليها علينا مجتمعاتنا، لأن أجمل لحن في الحياة هو ذلك اللحن الذي يخرج من داخل كل واحد منا.. لحن هو صدى اللحن السماوي العلوي الذي يقول لربه: أنا هنا عبدك.. أعبدك أنت لا سواك.. لن أجعلك أهون الناظرين إلي وأنت سبحانك أقدر الناظرين عليّ.


إن المنافسة الصحيحة الحقيقية عند أولي الألباب ليست في قطاع الحصة الكبرى مما يطلقون عليه اسم الكعكة، بل في المنافسة على الأجر والثواب الأكبر من الله.. أن أنافسك وتنافسني بخدمتنا لغيرنا وعمارة أرض ربنا كما يحبها أن تعمر. أيّنا يحظى برضا ربه أكثر من غيره.. أن تكون ذلك الإناء أو الوعاء الذي إذا نظر الله إليه وجده أولى من غيره.. فيغدق عليك (جزاءً وفاقاً) رضاً ورحمةً وبركةً وتوفيقاً وسداداً.
إنني أؤمن بأن أسمى وأصدق وأثمن صور ما يسمونه بقدوة المجتمع أو المسؤولية الاجتماعية هي الالتزام بأعلى المعايير الربانية والأخلاقية في كل جزئيات العمل اليومية، لأن الأضرار التي تصيب المجتمع من جراء عدم الالتزام بهذه المعايير تفوق بكثير أي فوائد يمكن أن يجنيها المجتمع من أي شيء آخر. كما أؤمن بأننا نعيش في عالم الوفرة لا الندرة، ولكن ما أصاب العالم من جشع وفساد، جعل العالم يعيش ندرة هي من صنع يديه.


إنك إذا أردت أن يغدق الله عليك من اسمه الشافي، من الشفاء فلا يغادر منك سقماً. فكن وسيلة شفاء لغيرك ليكون لاسمه الشافي سبحانه وتعالى نصيب وافر في كل عملك، ويكون لك بذلك منه نصيب وافر في كل أمرك.
من خلال موقع كل منا ومسؤوليتنا أياً كانت.. في أعمالنا أو في أسرنا، فلنحاول من خلال رسالة حياتنا أن نقدم نموذجاً ربانياً لمفهوم القيادة، ولنحاول أن نعكس جزءاً مما علمنا إياه معلم الإنسانية وقائد البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولنحاول أن نطبق مفهوم القيادة بالحب والشورى الملزمة كما علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم.


إنني أجزم وأقول إنه ليس هناك قيادة حقيقية صحيحة سليمة بغير الحب، وليس هناك من بركة في صنع قرار إلا بالشورى الملزمة من أهلها في موضعها، “ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر”.. فحتى كتاب الله لن يشفع لرسوله إن كان فظاً، وسينفض عنه الناس وعن كتاب الله، فكيف الحال بنا ونحن لا نملك مثل الذي بين يدي رسول الله.
حقاً إن أجل نعمة ينعمها الله على عبده أن يريه رسالته فيجعله صاحب رسالة، صاحب قضية. كرس قصة حياتك تفعيلاً وممارسة لهذه المفاهيم الربانية.


قد تقول في نفسك: قد لا يفهمني كثيرون، وقد أثير غضب البعض، وقد أشعر بحرج غربة أفكاري بينهم. ولكن لا تبالي.. ليظنوا وليقولوا ما يشاؤون. قل: نعم ربي لن أبالي، فهم أهون الناظرين إليّ، لأنك ربي أقدر الناظرين عليّ، ولن أرقص على إيقاعات لحن مجتمعي كما يرقصون.. سأعيش لك ربي بشموليتي، لتصبح صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي خالصة لك وحدك ربي لا شريك لك.. نعم لن أرقص على إيقاعات لحن مجتمعي كما يرقص غيري، وإنما سأكون ذلك اللحن السماوي الفطري الندي الشجي الذي تطرب له ملائكة السماء، ولكن لا يستعذبه من أهل الأرض إلا الذين تحرروا من أسر لحن إيقاعات مجتمعاتهم وحرروا ذواتهم من أنفسهم وخلصوا لك. أدعوك ربي.. أدعوك ربي ألا تسدل علي الستار حتى تكتمل القصة على أجمل وأكمل وأبهى صورها بما يرضيك بها عني، وأن أقدم لك سبحانك نسختي لا نسخة غيري، فإني أعلم أن كل الخيانات مقيتة، ولكن أعظم الخيانات هي خيانة الذات.

 

 

 

 لقراءة المقالة من صحيفة الوطن الرجاء الضغظ على الرابط أدناه :

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=17493