“كورونا”.. من جديد

قبل عام تقريباً، وتحديداً في 25 مايو 2013 كتبت في هذه الصفحة مقالاً تحت عنوان (كورونا.. من أين؟ وإلى أين؟) أتحدث فيه عن الوباء الجديد محذراً من خطورته، ومذكراً بما ينبغي علينا فعله تجاهه، وذكرت أن الذي نعرفه عن فيروس كورونا (حينها) ليس كافياً لمحاصرته أو الوقاية من انتشاره أو علاجه، فنحن لا نعرف من أين بدأ.. ولا نعرف كيف انتقل من الحيوان للإنسان.. ولا نعرف هل انتقل من الحيوان الذي يحمله أولاً أم من حيوان وسيط كما هو الحال في سارس، وفي أي أنواع الحيوان هو؟ هل في المواشي؟ وهل هي المواشي المستوردة من دول مجاورة؟ وما العلاج في حالة الإصابة به؟
واليوم عاد كورونا ليطل برأسه من جديد متصدراً وسائل الإعلام وناشراً الخوف والذعر بين الجميع.
واليوم أعيد التذكير بأن هناك حقائق ما زالت بعيدة وغائبة عن كثيرين. ولذلك فإنني لن أعيد وأفصل في هذا المقال ما كتبه آخرون من أعراض الفيروس سواء كانت من عطاس أو سعال أو حرارة أو صداع أو أعراض الحمى العادية، وغير ذلك من المعلومات المتوافرة في وسائل الإعلام، وإنما سآخذك معي أخي القارئ لتعرف القصة من بدايتها، وسأستند في مقالي هذا إلى تقارير منظمة الصحة العالمية، ومقالات ومراجع من مجلات عالمية موثقة.


هذا الفيروس الذي أعطي الآن اسم (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية)، بدأت قصته في مستشفى خاص في جدة في أغسطس 2012، حيث تلقى طبيب متخصص في الفيروسات هو البروفيسور زكي، مكالمة من طبيب معالج لمريض يبلغ من العمر 60 عاما أدخل إلى العناية المركزة بنزلة رئوية حادة، وطلب الطبيب المعالج من الدكتور زكي تحديد نوع الفيروس.


كل الفحوصات كانت سليمة، مما وضع أخصائي الفيروسات في حيرة، فأرسل عينة إلى مركز متخصص في فحص جينات الفيروسات بهولندا، وأثناء انتظار الرد قام هذا الأخصائي بعمل فحوصات إضافية وكانت المفاجأة هي عدوى لفيروس من عائلة كورونا”، وهي التي يصنف تحتها فيروسات البرد العادية ولكن كذلك فيروس سارس” القاتل.


جاءت نتائج المركز بهولندا مؤكدة لمخاوفه.. نعم إنه فيروس جديد من عائلة كورونا” لم يره أحد من قبل. ومن أجل تنبيه باقي أخصائيي الفيروسات حول العالم، سجل الدكتور زكي الحالة في موقع طبي للإبلاغ عن الحالات النادرة من أجل نشر المعلومات بسرعة حول العالم. وبالرغم من تحديد الفيروس، إلا أن المريض قد تدهورت حالته وتوفي بفشل في عدة أعضاء في الجسم، فشل في الرئتين والكليتين بالرغم من الأدوية وغسيل الكلى.


حالة واحدة لم تسبب الفزع أو الرعب أو الذعر آنذاك لأنها فريدة، على الرغم من أنها من عائلة كورونا التي منها فيروس سارس، الذي انتشر في أكثر من 30 دولة وقتل أكثر من 800 شخص في 2003، إلا أنهما مختلفان في تركيبهما، ففيروس سارس كان مرعباً ومخيفاً لأنه ينتشر بسهولة ويقتل عدداً أكبر، لكن هل كانت حقاً حالة فريدة وانتهت القضية؟ هذا ما كنا نظنه.


الذي حدث هو حالة أخرى بعد شهر واحد من الحالة الأولى، في العناية المركزة في مستشفى القديس توماس في لندن، حيث كان الطبيب يكافح ليشخص حالة مريض عمره 49 سنة من قطر نقل بإخلاء طبي إلى لندن مصاباً بالتهاب رئوي حاد، بدأ الأطباء يبحثون عن سبب لهذا الفيروس لكنهم لم يستطيعوا تحديده، مما أربك الطبيب المعالج فأبلغ عن هذه الحالة لوكالة الوقاية الصحية من القادمين من الخارج بحالات حرارة غير معروفة مسبقاً، فقامت الوكالة بجمع الفحوصات وحالفهم الحظ في أن اثنين من الباحثين وجدا ما نشره الدكتور زكي من المستشفى الخاص بجدة، ووجدا تطابقاً في الأعراض في الحالتين، في اليوم التالي أعادوا فحص الدم فوجدوا ما كانوا يخشونه، فالفحوصات لفيروسات كورونا المعروفة مسبقاً كانت سلبية، لكن فحص عائلة كورونا كان إيجابياً.. بمعنى أنهم يتعاملون الآن مع فيروس جديد من عائلة كورونا لم يسبق أن تعرف عليه أحد، وعندها علموا أن المريض قد زار السعودية قبل مرضه.


وعند مقارنة الفيروس بالذي اكتشف في السعودية ثبت تطابقه بنسبة 99.5%. وفي هذا اليوم أعلنت منظمة الصحة العالمية تحذيراً عالميا بوجود حالتين على مدار شهرين، وتوالت الحالات منذ ذلك الحين.
وفي أبريل 2012، أصبح المجموع 11 ضحية لذلك الفيروس، والفحوصات لاثنين منهم بعد الوفاة أكدت أنهما كانا يحملان هذا الفيروس.


أسئلة خطيرة ومهمة.. كيف ينتقل الفيروس؟ من أين يأتي؟ وكيف تنتقل العدوى؟ وإجابات هذه الأسئلة لا نعلمها. كل ما نعرفه إلى الآن أن هذا الفيروس لا ينتقل بسهولة، لكن الفيروسات لديها القدرة على أن تتحور وتتطور وتتكيف وتتأقلم وتهيئ نفسها لتنتقل بسرعة وسهولة، ونرى ذلك في كثير من الفيروسات، وهنا يكمن الخطر. فتحور هذا الفيروس قد يؤدي إلى وباء عالمي شامل.
لا يعرف أحد من أين جاء الفيروس! البعض يعتقد أنه جاء من الخفافيش، ولذلك فهناك أبحاث ودراسات قائمة على الخفافيش في منطقة بيشة، مكان أول مريض تم تشخيصه في جدة.
لكن هذا غالباً لا يفيد لأنه لا يعني أنها الناقل، فغالباً هناك ناقل وسيط. كما كانت القطط الناقل الوسيط في حالة سارس.


أثناء التحري وجد أن المريض القطري يمتلك مزرعة لرعاية الماعز، وقد مرض بعضها قبل مرضه، فهل يعني هذا أن الماعز هي الناقل الوسيط؟ ليس هذا فحسب، بل إن أحد الرعاة في المزرعة أصيب بنزلة رئوية ودخل المستشفى.


قد يكون الفيروس مختبئاً في مزارع الحيوانات.. قد يكون ذلك في السعودية أو قطر أو الأردن أو في إحدى الدول المصدرة للمواشي مثل السودان.


الفيروس مختبئ ولا يعرف أحد أين يختبئ. ليس هناك بحث مكثف لمعرفة الناقل الوسيط.
يطالب فاوتشر من الفريق الهولندي بفحص الحيوانات والمواشي في السعودية ودول أخرى في الشرق الأوسط، وتعلق رئيسة الأطباء البيطريين في منظمة الصحة العالمية بأننا ما زلنا في ظلام لأننا لا نعرف أين يختبئ هذا الفيروس. كما يطالب بفحوصات واسعة على البشر والحيوانات لمعرفة مدى انتشاره. ويؤكد فاوتشر أن أوروبا تعد نفسها للأسوأ وتركز على العلاج وليس الوقاية فحسب.. أوروبا الآن تبحث عن أي دواء يمكن أن يساعد في علاج كورونا.


إن الأسئلة التي لا نستطيع الإجابة عنها الآن – كما كانت في العام الماضي – أكثر بكثير من تلك التي نستطيع الإجابة عنها.


لقد مضى أكثر من عام ووصل عدد الوفيات في المملكة حتى الأربعاء 9 أبريل إلى 67 وفاة و179 إصابة، وهذان الرقمان هما الأعلى على مستوى دول العالم، إذ لم تسجل أي دولة أخرى عدد إصابات ووفيات بهذا السقف. فهل حددنا الناقل الوسيط؟ هل حددنا أين يختبئ الفيروس؟ هل قمنا بفحوصات واسعة على البشر والحيوانات على مدى عام لمعرفة مكان اختبائه؟ ما زالت الأسئلة أكثر من الأجوبة بعد أكثر من عام، فهل نحن اليوم ندفع ثمن أسئلة قد تأخرت الإجابة عنها؟ أترك الإجابة للمختصين.

 

 

 

 لقراءة المقالة من صحيفة الوطن الرجاء الضغظ على الرابط أدناه :

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=17493