هل نحن أسرى جيناتنا؟

هل نحن نتاج جيناتنا الوراثية.. أم إننا نتاج تنشئتنا وتربيتنا في سنوات حياتنا الأولى وبيئتنا الخارجية؟ وهل يجوز لنا أن نلقي اللوم على الأولى أم الثانية لكثير من سلوكياتنا الخاطئة وطبائعنا السيئة؟

إن علم البيولوجيا الحديث يكشف لنا عن حقائق مذهلة، ويصحح لنا الكثير من المفاهيم السائدة الخاطئة.

 

يحتوي جسم الإنسان على 5 تريليونات خلية، وكل خلية قادرة على أن تقوم بجميع الوظائف التي يقوم بها أعضاء الجسم، والدليل على ذلك النجاح في استنساخ كائن متكامل (النعجة دوللي) من خلية واحدة، وبذلك فإن كل خلية منفردة تمثل كائناً حياً يستطيع الحياة بمفرده، وكل خلية لها وعي وإدراك.

 

كنا نظن سابقاً أن مخ الخلية هو نواتها، لكن علم الخلية الحديث أثبت لنا عدم صحة ذلك، فعندما تُحرم خلية من نواتها معملياً، فإن جميع وظائفها الحيوية تستمر لمدة شهرين. إذن أين عقل الخلية؟ إنه الجزء الذي أُهمل سابقاً حتى جاء علم البيولوجيا الجديد ليؤكد لنا أنه غشاء الخلية الذي يحيط بها ويحفظ مكوناتها (إنه الغشاء المعجز ـ الأعجوبة).

 

هذا الغشاء الذي زوده الخالق سبحانه وتعالى بمستقبلات Receptors كقرون استشعار لتدرك ما حولها خارج الخلية وداخلها، وكذلك زودها الله سبحانه وتعالى بمستجيبات Effectors تتلقى التعليمات من المستقبلات فتفتح بواباتها أو تغلقها لتسمح أو تمنع مرور المواد المختلفة إلى داخل الخلية وخارجها. مئات الآلاف من المستقبلات والمستجيبات تعمل في تنسيق دقيق وتناغم بديع.

 

ويمكن تشبيه طريقة عمل غشاء الخلية بطريقة عمل رقائق الكمبيوتر. وقد هدى الخالق سبحانه الإنسان أن يستخدم تقنية مشابهة بتلك التي أودعها الله غشاء الخلية، وهي تقنية فيزياء وكيمياء الكوانتم، وهي بلورات سائلة تتراص جزئياتها بشكل منتظم متكرر. وكما أن رقائق الكمبيوتر تتم برمجتها من الخارج على يد الإنسان فإن غشاء الخلية كذلك تتم برمجته من الخارج، لكن في هذه الحالة على يد البيئة المحيطة وليس اعتماداً على الجينات كما كنا نظن سابقاً.

 

هنا نرى حكمة أن جعل الخالق سبحانه عقل الخلية في غشائها لا في نواتها، لتتم بذلك برمجة وإعادة برمجة كل خلية بناء على المعطيات البيئية المحيطة، ويتحرر الإنسان من أسر جيناته الوراثية التي لا حول له ولا قوة في توجيهها أو تغييرها.

 

لقد أعلنها علم البيولوجيا الجديد.. إننا قادرون على برمجة وإعادة برمجة خلايانا عن طريق ظروفنا البيئية وحالاتنا النفسية والروحية، وبذلك نصبح سادة مصائرنا لا أسرى جيناتنا الوراثية.

 

لقد ثبت أن تعامل البيئة مع أحد الجينات يؤدي إلى اختيار نوعٍ واحدٍ من ألفي نوعٍ من البروتينات، التي يمكن أن يقوم هذا الجين ببنائها، وبذلك بعد أن كنا نعتقد أن السيادة للجينات وكانت معادلة الحياة سابقاً تبدأ من الحمض النووي وصولاً إلى الحمض النووي RNA وانتهاء بالبروتينات، اتضح أن السيادة للعوامل البيئية، وتغيرت معادلة الحياة لتصبح البداية من المؤثر البيئي وصولا إلى البروتين المنظم (الغشاء الخارجي للخلية) ثم إلى الحمض النووي DNA فالحمض النووي RNA وانتهاء بالبروتينات.

 

علم البيولوجيا الحديث يؤكد لنا أن لكل خلية وعياً وذكاءً، والخلايا تتواصل مع بعضها كأنها تتحدث كمجتمع متكامل. وبالرغم من قدرة كل خلية على تفسير المعلومات على حدة، إلا أنها كمجتمع واحد تخضع للعقل وللجهاز العصبي ليفسر لها كيف يجب أن تتعامل مع المعطيات والمعلومات، وبذلك فاعتماداً على تفسير العقل يكون رد فعل خلايا الجسم. أي بمعنى آخر فإن طريقة قراءة العقل للأحداث والمعطيات والمعلومات وما يعتقده العقل وما يؤمن به تحدد تصرف كل خلايا الجسم.. كيف تستجيب؟ بل وماذا تصنع؟ بل وكيف تبرمج نفسها؟ لتصبح معادلة الحياة كما وصفها د. بروس ليبتون من جامعة ستانفورد ومؤلف كتاب (بيولوجيا الإيمان) ومؤسس علم البيولوجيا الحديث كالتالي: قراءة العقل للأحداث (اعتقاده بالشيء) وصولاً إلى البروتين المنظم (الغشاء الخارجي للخلية) ثم الحمض النووي DNA فالحمض النووي RNA وانتهاء بالبروتينات. أي أن صناعة البروتينات والحمض النووي الذي يحتوي على التعليمات الجينية، والتي تصف التطور البيولوجي للإنسان ووسيلة التخزين طويلة الأجل للمعلومات الوراثية التي تسبب الاختلافات بين البشر.. كلها تتأثر مباشرة بمعتقداتنا وبإيماننا.

 

ويتضح دور العلاج الإيحائي المثبت علمياً وعملياً (تأثير البلاسيبو)، أو ما يسمى بـ(تأثير الإدراك) أو (تأثير الإيمان والاعتقاد) على الحالة الصحية للإنسان، ومدى فعالية الدواء، حيث يثبت العلم أن معدل هذا التأثير قد يصل إلى نسبة من 70% إلى 80% ، بشرط اعتقاد المريض أن الدواء سيعالج هذا المرض وأن يتناول الدواء بانتظام.

 

وفي المقابل فإن المعتقدات السلبية تؤثر سلباً على الصحة وتفقد الدواء فعاليته، حتى وإن كان قد ثبت علمياً أن الدواء ذو فعالية عالية جداً. يؤكد ذلك الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده فقال: لا بأس عليك، طهور إن شاء الله، قال الأعرابي: طهور؟! كلا بل هي حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فنعم إذن”.

 

صحيح أنك إذا اعتقدت أنك تستطيع، أو اعتقدت أنك لا تستطيع فستدرك في النهاية النتيجة التي تعتقدها. يقول البروفيسور وين داير (المتخصص في الإرشاد التربوي والتنمية الذاتية): عندما نغير الطريقة التي ننظر بها إلى الأشياء، فإن الأشياء التي ننظر إليها حتماً ستتغير.

 

فاسأل نفسك: كيف تنظر لنفسك؟ ماذا ترى في المرآة؟ أَوَ ترى إنساناً ناجحاً أم فاشلاً؟ قويا أم ضعيفا؟ قادرا أم عاجزا؟ إنك ستكون الشخص الذي ترى في المرآة. ما مدى إيمانك واعتقادك أنك قادر على تحقيق أهدافك وغاياتك؟ ما مدى ثقتك بنصر الله وتوفيقه لك في قضاء حاجاتك؟ هنا أفهم معنى: “أنا عند ظن عبدي بي”.

 

لقد جعلك الله قادراً على أن تختار، أنت الذي تختار.. كيف ستحيا حياة مليئة بالثقة والإيمان والإنجاز، أو مليئة بالضعف والشك والإحباط؟ وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذ قال: “المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز”.. حقاً.. “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

 

 

 

 لقراءة المقالة من صحيفة الوطن الرجاء الضغظ على الرابط أدناه :

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=17493